أحداثٌ متسارعة وصادمة شهِدتها الساحة السورية في الأيام الماضية، بطلتها، فصائل المعارضة السورية التي نظمت ثورةً مسلحة، جابت به أنحاء رئيسية بشكل لم يسبق له مثيل، بنتيجتها استطاعت بأيام معدودة، السيطرة على البلاد وإسقاط نظام بشار الأسد ودفعهِ للهروب مع عائلته الى وُجْهة قيل إنها روسيا، متخوّفًا من محاسبته على أفعاله الإجرامية طيلة فترة حكمه الذي اتسم بحسب نتائجه، بالاضطهاد والديكتاتورية.
على المقلب الفني، لم يظهر الحزن على أيّ فنانٍ سوريّ أو عربيّ، حول خواتيم عائلة الأسد، بل على العكس، ففنانو سوريا اعتمرتهم فرحةٌ غير مسبوقة بإسقاط النظام وخلع رئيسه. فانهالوا على الناس بالفيديوهات والتغريدات المعبّرة عن شوقهم للحرية بإشراقة فجر جديد لسوريا، علمًا أن غالبيتهم لم يخرج من لسانها أي انتقاد لارتكابات الأسد التي يدركها "الكبير والصغير والمقمّط بالسرير".
نعم، يمكننا أن نتخيّل مصير أي مواطن سوري لدى انتقاده أو مهاجمته نظام مثل نظام الأسد ورئيس مخلوع مثل بشار، حيث يكون السجن "أبسط التكاليف"، لكن التطبيل لهذا النظام لم يكن الحل المطلوب، بدليل التكهنات التي تحيط مثلا بفنان كـ"علي الديك" الذي عُرِف بفائق محبته ودعمه المطلق لبشار دون مراعاة وجع الشعب"؟ فهل سينجو من محاسبة المعارضة له ؟ هل سيفلت من عقاب الناس له؟ او سيلتحق بصديقه الهارب بشار؟
كذلك الأمر بالنسبة الى مطربة الجيل ميادة الحناوي والنجوم دريد لحام وتيم حسن وبسام كوسا وسوزان نجم الدين وقصي خولي وباسم ياخور وغيرهم.
لعلّ هؤلاء الفنانين كانوا واهمين كما قال الممثل أيمن زيدان، أو أسرى ثقافة الخوف، أو كما لفت القدير دريد لحام عندما أشار الى أنهم "يقولون بما لا يضمرون أو يخشون التغيير لتصوّرهم بأن ذلك سيقود للدم والفوضى".
ومن هنا، بيّن سقوط الأسد، معدن أكثرية الفنانين، فالفن كما نعلم رسالة سامية تحمل في طياتها الحب والسلام للمجتمعات، وعليه، فإن من يتقنها عليه التحلي بالصدق والأمانة، فالفنان في زمننا هذا، هو الأكثر تأثيرًا في مجتمعاتنا، فمن يطبّل، يساعد على الظلم والإستبداد، ومن يقول كلمة حق، يؤدي رسالته كما يجب لرفع الظلم والطغيان عن أفراد المجتمع.
لذا نرى الفنانين قد انقسموا في اتجاهات عدة، "منهم من وقف مع النظام بشكل صريح وحازم وتبدلت مواقفهم لحظة سقوطه كـ أيمن زيدان وسلاف فواخرجي وأمل عرفة وغيرهم...ومنهم من كان ثابتًا على موقفه منذ اندلاع الأحداث السورية، مثل الفنانة أصالة نصري التي أصرت حتى الساعة على التأكيد رغم حملات التخوين التي طالتها، بأن حب الوطن لا يكون فقط بحمل السلاح، بل معنويًا أيضا من خلال دعم الشعوب التواقة الى الحرية والعدالة لتقرير مصيرها، وساندها في معارضتها كنده علوش، سامر المصري، جمال سليمان وآخرين.
وفي سياق متصل، هناك فنانون يُضرب بهم المثل بالوطنية والإنسانية على الصعيد العربي، تمامًا كما السيّدة اللبنانية ماجدة الرومي عندما أطلقت صرخة مدوّية تجاه رأس الهرم، من خلال أغنية "سيدي الرئيس" التي طرحتها أواخر الثمانينيات وبأحلك الظروف السياسية والأمنية التي عاشتها المنطقة، فقلبت حينها الطاولة على أنظمة الاستبداد والديكتاتورية والتبعية، وتحوّلت الرومي لصوت المظلوم بوجه ظالمه، وروح الشهيد بوجه قاتله، ونبض الثائر بوجه قامعه، وميزان العدالة بوجه الظلم.
وللتذكير، "سيّدي الرئيس" مُنعت من العرض لسنوات، كما انهالت وابل من التهديدات للرومي وفريق الأغنية، لكن الصمود والتحدي وعدم الإنحناء لأحد، كانوا سيّد الموقف عند الماجدة، فأتى جوابها خلال حفلاتها التي أقامتها في دول عدة، وآخرها في صيف 2018 بلبنان، متخذةً قرارها الحاسم بتحقيق هدف الأغنية ولو بعد حين...
في النهاية، إذا كنت أيها الفنان تسعى للاستمرارية والنجومية، عليك أن تعرف جيدا من هو جمهورك الحقيقي، الشعب أو السلطة، إنما كن على يقين بأن الشعب هو المنتصر، مهما بلغ الظلم مداه.
لعل التطبيل لعدو جمهورك، له منافع شخصية ومادية ولكنها فانية، ولولا الشعب الذي أحبّك، لما وصلت إلى تلك المنافع، فاعلم أن استمراريتك محصورة بمحبة الجمهور الذي أنت جزء منه وعليك أن تسانده في السرّاء والضرّاء.
فليكن ما حصل في سوريا نموذجًا يتعلم منه كل الفنانين الساعين لترك بصمة في عالم الفن، فإذا كان الساكت عن الباطل شيطان أخرس، ما بالكم بالمطبّل له؟