في عام 1960، وبعد انتهائه من تصوير فيلم حب في حب، كان الفنان الكبير رياض القصبجي – الذي اشتهر بدور الشاويش عطية – يجلس في منزله المتواضع بصحبة أحد أصدقائه، يتبادلان الضحك والحديث كعادتهما.
وبعد انتهاء السهرة، نهض الصديق للمغادرة، فقام رياض لتوديعه... لكنه فجأة وجد نفسه غير قادر على الوقوف، ولا حتى مدّ يده للمصافحة. ثم سقط أرضًا دون سابق إنذار.
بداية المأساة: الشلل النصفي
زوجته ظنّت أن الأمر مجرد إرهاق عابر، فاصطحبته إلى السرير ليرتاح. ولكن بعد ساعات قليلة، حاول رياض النهوض للذهاب إلى الحمام، ليكتشف أن أطرافه قد ازدادت ثقلًا.
أُحضر الأطباء على الفور، وتبيّن أنه أصيب بـ شلل نصفي، لتبدأ مرحلة جديدة من المعاناة الصامتة.
انسحاب في الظل.. وكرامة الفنان الجريح
أغلق رياض القصبجي باب شقته على نفسه، ورفض إخبار زملائه بمرضه، حفاظًا على كرامته. ولكن غيابه عن الوسط الفني أثار التساؤلات، حتى بدأ زملاؤه في زيارته، وكان أولهم محمود المليجي، تلاه جمال الليثي.
مبادرة إنسانية.. لكنها جلبت له الألم
بعد تكرار الزيارات، أدرك الفنانون أن تكاليف العلاج باهظة جدًا ولا يمكن لرياض تحملها. فبادروا بتكوين لجنة داخل مكتب جمال الليثي، لجمع التبرعات دون إحراجه.
لكن مأساة أخرى وقعت حين قامت مجلة الكواكب بنشر أرقام التبرعات. الأمر الذي سبّب جرحًا نفسيًا عميقًا لرياض، خاصة حين تبيّن أن بعض الفنانين الأغنياء تبرعوا له بمبالغ هزيلة لا تتجاوز الجنيهين!
إشراقة أمل في وسط الألم
كتبت "الكواكب":
"لقد بدأ القصبجي يتلقى عشرات الزيارات من الفنانين، والرسائل من المعجبين، حتى أن طبيبة معجبة عرضت علاجه مجانًا. وقد تحسنت حالته النفسية كثيرًا، وسمح له طبيبه بمغادرة الفراش تدريجيًا... كان يتلقى أربع جلسات علاج كهربائي أسبوعيًا، تكلفة الجلسة 10 جنيهات، بإجمالي 150 جنيهًا أسبوعيًا، دون احتساب الدواء والغذاء الخاص".
حوار صريح مع "المصور"
في حوار مؤثر مع مجلة المصور، تحدّث القصبجي عن بداياته كمساعد كمساري في السكة الحديد، ثم كيف تخلّى عن الوظيفة حين أصابه "ميكروب التمثيل". وقال إنه بدأ رحلته مع الفرق المتجولة، وكان أهم شرط للانضمام إليها هو أن يمتلك بطانية وحصيرة ووسادة لينام بها خلال السفر بالمحافظات.
وتحدث عن مرضه، قائلًا إن التكلفة بلغت 300 جنيه، وهو يتلقى يوميًا الكثير من الأدوية والحقن، مشيدًا بوقوف جمال الليثي وفطين عبدالوهاب إلى جانبه.
أنهى القصبجي الحوار بقوله:
"لقد عرفت خلال مرضي أصدقائي الحقيقيين.. وعرفت أيضًا أعدائي. كنت أبتسم كلما سمعت إشاعة أنني شُللت ولن أعود للعمل. لم أعبأ بها، وواجهت المرض بثبات... وخرجت من محنتي أقوى."