حياة مليئة بالصراعات والنجاحات، انتهت بجريمة هزت العالم العربي ولا تزال فصولها تثير الجدل حتى اليوم. من صعودها الفني السريع إلى مأساتها في نهايتها، تبقى قصة سوزان تميم واحدة من أكثر القصص المؤلمة والمثيرة في الوسط الفني العربي.
طفولة قاسية وبداية فنية مبكرة
وُلدت سوزان تميم في 23 سبتمبر/أيلول 1977، وعانت في طفولتها من آثار انفصال والديها، حيث تربّت لدى والدها الذي حرمها من والدتها. التحقت بالجامعة العربية اللبنانية وهناك التقت بزوجها الأول علي مزنر، لكنها لم تُكمل دراستها، بعدما شاركت في برنامج "استوديو الفن" عام 1996، الذي كان انطلاقتها الحقيقية نحو الشهرة، ونالت فيه الميدالية الذهبية.
رشحها المخرج الراحل سيمون أسمر للمشاركة في مسرحية "غادة الكاميليا"، ثم أطلقت عام 1999 أول أغنية مصورة لها بعنوان "أنا كده لما أحب".
من باريس إلى بيروت... بداية المشاكل
مع ازدياد شهرتها، بدأت المشاكل تلاحقها، خصوصًا مع زوجها الأول الذي حاول استغلال اسمها فطلبت الطلاق، لكنه رفض. هربت إلى فرنسا عام 2000، وهناك تعرّفت إلى المنتج اللبناني عادل معتوق، الذي ساعدها في تسريع إجراءات الطلاق، لكنه استغلها لاحقًا بعدما وقّعت له أوراقًا بيضاء وعقد احتكار مدته 15 عامًا.
ابتعدت عن الساحة الفنية لفترة، ثم عادت عام 2003 بإطلالة مميزة وألبوم ناجح بعنوان "ساكن قلبي" من إنتاج روتانا، والذي تضمن أغانٍ حققت انتشارًا واسعًا مثل "وينه حبيبي"، "ساكن قلبي"، و"لا أنا".
صراع قانوني وقرارات بمنعها من الغناء
دخلت سوزان في صراع قانوني شرس مع عادل معتوق، الذي اتهمها بخرق العقد وبالزواج العرفي منه، ونجح في استصدار قرارات قضائية تمنع بث أغنياتها في لبنان ومصر، ومنع شركات الإنتاج من التعامل معها، بل ومُنعت من الحصول على تصاريح عمل فني في مصر.
لاحقت الشائعات حياتها الشخصية والفنية، وبدأ الإعلام الأصفر بنشر أخبار ملفقة عنها. وبعد سلسلة من المعارك القضائية، صدر الحكم النهائي لصالحها، لكنه جاء بعد وفاتها.
هشام طلعت مصطفى يدخل حياتها
في مصر، تعرّفت سوزان إلى رجل الأعمال الشهير وعضو مجلس الشورى هشام طلعت مصطفى، الذي استخدم نفوذه لمساعدتها في إزالة العقبات القانونية أمام عودتها الفنية. وقع هشام في حبها وطلب الزواج منها، لكنها رفضت وانتقلت إلى لندن لتسجيل ألبوم جديد بعنوان "يصعب عليا".
حب جديد... ومطاردة تهدد حياتها
في لندن، ارتبطت سوزان بعلاقة مع المصارع العراقي رياض العزاوي، الذي أصبح حارسها الشخصي وزعم لاحقًا أنه تزوجها بعقد عرفي. لكن حياتها لم تكن آمنة، إذ بدأت تتعرض لتهديدات من هشام طلعت، ما دفعها لتقديم بلاغ للسلطات البريطانية. تجاهل البلاغ أدى إلى تفاقم معاناتها النفسية، فأصيبت بانهيار عصبي وازداد وزنها بشكل لافت، فقررت الانتقال إلى دبي.
الجريمة التي هزّت العالم العربي
في 28 يوليو/تموز 2008، عُثر على سوزان تميم مقتولة في شقتها في دبي، وقد تعرّضت لذبح وحشي. كشفت التحقيقات أن القاتل هو محسن السكري، ضابط أمن سابق، استأجره هشام طلعت مقابل مبلغ مالي كبير. أخطأ السكري حين اشترى أداة الجريمة ببطاقته الائتمانية، ما قاد إلى كشفه سريعًا.
أُلقي القبض على هشام طلعت أثناء محاولته الهرب إلى البرازيل، ووجهت له تهمة التحريض على القتل، وصدر ضدهما حكم بالإعدام في البداية، قبل أن يتم تخفيف العقوبة لاحقًا إلى 15 سنة لهشام و25 سنة للسكري.
رد الاعتبار يشعل الجدل مجددًا
بعد خروجه بعفو رئاسي عام 2017، عاد اسم هشام طلعت إلى الواجهة عام 2023، حين قضت محكمة جنايات القاهرة بردّ اعتباره قانونيًا بعد مرور 6 سنوات على العفو، ما أتاح له التقدم بطلب رسمي.
وقد أثار قرار رد الاعتبار – الذي محا الحكم الجنائي من سجله القضائي – غضبًا واسعًا بين جمهور ومحبي الفنانة الراحلة، معتبرين أن القرار يُمثّل طمسًا لإحدى أبشع جرائم الوسط الفني العربي، ويهدر العدالة المعنوية لذكرى سوزان تميم.
ظلمت حية وميتة
رحلت سوزان تميم كما عاشت: وحيدة، مطاردة، مغدورة. كانت تبحث عن الحب، عن الفن، عن حريتها، لكن الحياة لم تمنحها سوى الخوف والمطاردة والقيد. ماتت منحورة على أرضٍ غريبة، تُركت جثتها عنواناً لخبر عاجل، وصورتها سلعة للإعلام، بينما قاتلها اليوم يعيش حرًّا، يُشيِّد الأبراج، ويُحيي الحفلات، ويتصدّر صور الفنانين وهم يبتسمون بين يديه.
لم تُنصفها العدالة. لم تُنصفها الصحافة. لم يُنصفها حتى الفن الذي أحبّته. وظلت بلدها، التي غادرتها هربًا من القهر، تمنع أغانيها، وتُسكت صوتها، كأنها هي الجانية لا الضحية.
سوزان لم تكن مجرد فنانة، كانت إنسانة أنهكها الظلم، فخذلتها الحياة في كل محطاتها. واليوم، بعد أن مُحي الحكم عن قاتلها، لم يبقَ من قصتها إلا صدى موجع... يذكّرنا أن بعض الجرائم لا تُغتفر، حتى إن غُفِرَت.