في جنازته حاول كثيرون اصطياد اللحظة إلا هي، كانت دموعها حارقة صادقة، كارمن لبس، المرأة التي أحبها زياد الرحباني ما لم يحبّ يومًا، وانتهت علاقتهما ولم تنتهِ، وأثارت وفاته فضول محبّيهما، كيف بدأت قصّة الحب هذه وكيف انتهت ولماذا انتهت؟
بعض القصص تستحق أن تروى.
على مدى 15 عامًا، جمعت زياد وكارمن علاقة مختلفة بكل المقاييس: حب صادق خارج الأطر التقليدية، زواج غير موثق لكن مقدّس في نظرهما، وشراكة إنسانية وفنية لم تصمد أمام ضغوط الحياة والمحيط. ومع رحيل زياد، طفت مجددًا هذه القصة إلى السطح، بعدما ظهرت كارمن منهارة أمام نعشه، وكأنها تودّع جزءًا من حياتها لا يمكن استعادته.
لقاء غير مخطّط في زمن الحرب
كانت البداية خلال سنوات الحرب اللبنانية. كارمن، الشابة الطموحة التي أرادت أن تصبح ممثلة، كانت تقيم في شقة صغيرة في منطقة الحمرا. أحد أصدقائها قرر أن يعرّفها إلى زياد الرحباني، فذهبت معه إلى سينما "جاندارك" في الحمرا حيث كان يُعرض عمل لزياد.
انتظرته على درج المسرح لعدة ساعات، وعندما خرج من المسرح، لم تجرؤ على التحدث إليه. خجلها الشديد جعلها تلتزم الصمت، لكن الصديق بادر بالتعريف، ليبدأ بينهما أول تواصل. أعطاها زياد رقمه وقال لها:
"اتصلي بي غدًا الساعة 12."
وهكذا بدأت العلاقة، التي سرعان ما تطوّرت من شغف فني إلى علاقة شخصية.
زواج "على ورقة" أمام الله
أكدت كارمن في لقاء إعلامي حديث أن علاقتهما لم تكن مجرد ارتباط عاطفي، بل تزوّجا بالفعل، ولكن بطريقة غير رسمية. كتبا معًا تعهّدًا على ورقة يعتبرانه بمثابة عقد زواج روحي، لأنه في ذلك الوقت لم يكن زياد قد أنهى طلاقه من زوجته السابقة.
كارمن أوضحت أن هذا الارتباط لم يكن سرًا بينهما، بل كان قرارًا نابعًا من اقتناع داخلي عميق بحرية الحب والمسؤولية:
"إذا ما كانوا متزوجين وقرروا يعيشوا سوا، وين الغلط؟ هني أحرار وما عم يئذوا حدا."
سنوات من الحب... والعمل والمواجهة
على مدى 15 عامًا، عاش الثنائي في علاقة فيها الكثير من التفاهم والتعقيد. شاركا تفاصيل الحياة اليومية، وكان زياد يكتب ويخرج ويبدع، فيما كارمن تمثّل وتدعمه. ومع ذلك، لم تكن الحياة وردية.
كل عام، كانا يأملان بأن تحقق إحدى المسرحيات أرباحًا مالية، لكنها كانت تخسر. وكانت الخسارة تضع العلاقة تحت ضغط دائم، خاصة أن زياد كان محاطًا بأشخاص – كما تقول كارمن – لم يحبّذوا وجودها في حياته.
"كانوا يضغطوا عليه ويسيطروا على جوّه."
النضج الغائب... والصمت القاتل
في تحليلها لأسباب الفشل، حملت كارمن المسؤولية أيضًا لنفسها، وقالت إنها لم تكن ناضجة عاطفيًا بما يكفي:
"كنت بفكر إنو هو لازم يفهمني من نظراتي، ما كنت عارفة عبّر عن اللي بيزعجني."
قرار الانفصال جاء بعد مرحلة شعرت فيها بأنها غير قادرة على الاستمرار. لم يكن سهلاً، لكن بدا حتميًا. غير أن الوجع الأكبر جاء بعد الانفصال، حين وجدت نفسها وحيدة، حتى من أقرب الأصدقاء الذين كانوا جزءًا من العلاقة:
"هالناس كانوا ببيتنا، يعيشوا معنا كل تفصيل، وبعد الانفصال ما سألوا عني ولا مرة."
الوداع الأخير: "حسّيت إنو لبنان فِضي"
عند جنازة زياد الرحباني، لم تستطع كارمن تمالك نفسها. مشهد انهيارها أمام نعشه خطف الأنظار والقلوب. وكتبت لاحقًا على إنستغرام كلمات موجعة:
"فكرت بكل شي، إلا إنو الناس يعزّوني فيك... الوجع بقلبي أكبر من إني اقدر أوصفو."
هذه العلاقة التي بدأت بصمت وانتهت بصمت، بقيت بالنسبة لكارمن تجربة حب نادرة، لن تتكرر. لا قوانينها كانت تقليدية، ولا نهايتها كانت سهلة. لكنها، بكل تعقيدها، تركت أثرًا عميقًا في شخصيّتها ومسيرتها الفنية والإنسانية.